إلى رحمة الله

 

أديب العربيّة

الدكتور عبد العزيز بن عبد الله الخويطر رحمه الله

1344-1435هـ = 1926-2014م

بقلم: رئيس التحرير

nooralamamini@gmail.com

 

 

بغاية من الحزن والأسى قرأنا نعي وفاة الأديب العربي السعودي و وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء السعودي الدكتور عبد العزيز بن عبد الله الخويطر رحمه الله تعالى رحمة الأبرار الصالحين في الصحف الهندية، الذي وافته المنيّةُ في 91 من عمره بالنسبة إلى السنوات الهجرية و 88 منه بالقياس إلى الأعوام الميلادية في مدينة «جنيف» بـ«سويسرا» يوم الأحد 25/رجب (26/منه بالقياس إلى التقويم السعودي) 1435هـ الموافق 25/مايو 2014م، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

     وحُمِلَ جثمانُه إلى الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية وصُلِّيَ عليه بعد عصر يوم الاثنين 26/رجب (27/منه بالنسبة إلى التقويم السعودي) 1435هـ الموافق 26/مايو 2014م بجامع الإمام محمد بن عبد الوهاب بالرياض و وُرِّيَ جثمانه بمقبرة النسيم بالمدينة، وحضر الصلاةَ عليه وتوريةَ جثمانه وليُّ العهد السعودي سموّ الأمير سلمان بن عبد العزيز وأصحابُ السمو الأمراء وأصحابُ المعالي الوزراء وأصحابُ الفضيلة العلماء وكثيرٌ من ذوي الفقيد ومحبّيه وعامّة المسلمين.

     لقد كان الفقيدُ الغالي يتمتّع إلى جانب كونه رجلَ علم وأدب وقلم سيّال وإنتاج غزير، بأهلية إداريّة فائقة؛ ولذلك شغل منصب الوزارة إلى جانب مناصب سامية أخرى على عهود خمسة ملوك: سعود بن عبد العزيز وفيصل بن عبد العزيز وخالد بن عبد العزيز وفهد بن عبد العزيز والملك الحالي خادم الحرمين عبد الله بن عبد العزيز. وقد قال عنه الملك الصالح فيصل رحمه الله تعالى : «الخويطر ثروة وطنيّة فلا تُفَرِّطُوا فيها».

     وشغل رحمه الله منصب مدير جامعة الملك سعود في الفترة ما بين 1380-1393هـ ومنصب وزير الصحة في الفترة ما بين 1394-1395هـ، ومنصب وزير المعارف في الفترة ما بين 1395-1416هـ، ومنصب وزير التعليم العالي في الفترة ما بين 1408- 1412هـ، ومنصب وزير الزراعة والمياه في الفترة ما بين 1415-1416هـ، ومنصب وزير الماليّة مدة أربعة أشهر سنة 1416هـ، ومنصب وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء في الفترة ما بين 1416-1435هـ أي لحين وفاته.

     وُلِدَ رحمه الله بمدينة «عُنَيْزَة» بمنطقة «القصيم» بالمملكة العربية السعودية. وتَلَقَّىٰ جزءًا من دراسته الابتدائية بمدينته «عنيزة» وجزءًا منها والثانوية في المدرسة السعودية الابتدائية والمعهد العلمي السعودي بمكة المكرمة وتخرّج منه حاملاً شهادة الثانوية عام 1365هـ، وحصل على الليسانس من دارالعلوم بجامعة القاهرة 1371هـ، وعلى الدكتوراه في التاريخ من جامعة لندن 1380هـ وكان أول سعوديّ حصل على شهادة علمية عليا آنذاك. وبذلك فكان مفخرةً وطنيّة حقًّا، وقد سَجَّلَ له ذلك المؤرخون والعلماء والكُتّاب والمسؤولون السعوديّون رفيعو المستوى.

     وعُيِّنَ في العام نفسه 1380هـ الذي حصل فيه على الدكتوراه من لندن أمينا عامًّا لجامعة الملك سعود، ثم وكيلاً لها. ودَرَّس إلى ذلك تاريخ المملكة العربية السعودية لطلاب كلية الآداب، وانتقل من الجامعة رئيسًا لديوان المراقبة مدة عامين تقريبًا، ثم وزيرًا للصحة، فوزيرًا للمعارف التربية والتعليم ثم وزير دولة وعضوًا في مجلس الوزراء، حسب التفصيل الذي أسلفناه آنفًا.

     كان للدكتور الخويطر رحمه الله عبر رحلته الوزارية والإداريّة رحلةٌ مُشَرِّفَة أخرى، هي رحلة بصحبة الكلمة والإبداع الأدبي والإنتاج التأليفي، باعتباره رجلَ علم وثقافة وأدب نهل بوعي عميق معرفيًّا وثقافيًّا من معين الحياة الإدارية ومدارسها وقنوات الثقافة التي عاصرها برؤية مسؤول أمين، وأديب مُرْهَف الحسّ، ومُبْدِع نابغ؛ فَدَبَّجَتْ يراعتُه كثيرًا من الـمُؤَلَّفَات التاريخية والأدبيّة التي تبلغ الثلاثين مُؤَلَّفًا. من بينها كتابه الشهير الدسم المادّة، الغزير النفع، الكبير التأثير في عقليّة الشباب العَربيّ الذي عكف على قراءته والاستفادة منه والتشبّع بالرسالة التي يحملها، وهو «أي بُنَيَّ!». وقد قارن فيه المؤلف بين الماضي والحاضر، وأودعه رسائل إلى الشباب بكلمة صادقة ورؤية ثاقبة أَحْكَمَتْها التجاربُ المُتَّصِلَة التي عاشها في ميادين المعرفة ودراسة التاريخ والتراث.

     والكتابُ موسوعة تراثية ألفه رحمه الله بأجزائه الخمسة في الفترة ما بين 1409 و 1414هـ. وقد قرأ كاتبُ هذه السطور تعريفًا بالجزء الأوّل من الكتاب بصحيفة «الرياض» - وظنّه آنذاك أنه هو وحده كتاب كامل لا تلحقه أجزاء أخرى لدى صدور الطبعة الأولى، فكتب إلى المُؤَلِّف الأديب عبد العزيز الخويطر رحمه الله أننا قرأنا في صحيفة «الرياض» تعريفًا بكتابكم «أي بني!» الذي صدر حديثًا، وبما أننا لا نتمكن من اقتنائه مُبَاشَرَةً، نرجو معاليكم التكرم بإهداء نسخة من الكتاب، وشحنه باسمنا على عنواننا المُثْبَت أدناه. وما إن مضى شهر على خطابنا إليه حتى تَلَقَّيْنَا طردًا حَمَلَه إليّ ساعي البريد ضمن البريد الجويّ المُسَجَّل المضمون، وفتحناه فإذا فيه الكتاب المذكور الذي أعجبنا جدًّا بل أَخَذَنا بغلافه الجميل الساحر الأخّاذ الذي دعانا إلى قراءته المتأنية حرفًا حرفًا من البداية إلى النهاية. وكتبنا تعريفًا به في جريدتنا «الداعي» - التي كانت نصف شهرية آنذاك، وتُحَوَّلَتْ شهريّةً فيما بعد بدءًا من أول عدد من سنتها الـ 17 صادر في محرم 1418هـ = مايو يونيو 1997م في عددها المزدوج 7-8 من السنة 13 الصادر في 9-24/4/1410هـ الموافق 10-25/11/1989م، وقلنا فيما قلنا في الحديث عنه:

     «يختلف الكتاب عن عامّة الكتب التي تطفح بها سوقُ المكتبات العربيّة في الطباعة الأنيقة، والورق الغليظ المصقول، والإخراج الفنيّ الجذّاب، والحروف العريضة الرائعة، ويُحَلِّي كلَّ صفحة منه إطارٌ حسنٌ من خطوط أربعة من الجوانب الأربعة، كما تُزَيِّنها كلمة «أي بنيّ» بخطّ رشيق مكتوب بريشة ذكيّة في يدِ رَسَّام ظريف.

     «والكتابُ مقارنةٌ بين ماضي الحياة العربية وحاضرها. وحَاوَلَ المُؤَلِّف أن يفتح نافذةً للجيل الذي نشأ بعد جيله، يُطِلّ منها على عالم غير عالمه، ويتلمّس الفرقَ الكبيرَ الذي حصل بين الماضي والحاضر. وذلك لكي يدرك نعمةَ الله عليه، فيقدرها حقَّ قدرها، ويشكره حقَّ شكره، ويشعر بقيمة المُعْطَيَات الحضارية التي توفّرت بكدّ يمين الجيل السابق وعرق جبينه، ويُحْسِن استخدامها، ويجتهد ليزيد عليها.

     «والكتاب إضافةٌ قيمة إلى مكتبة الأدب الإسلاميّ، بما يُؤَكِّد على التقيّد بالقيم الإسلامية العربية، ويُعَلِّم الدينَ إلى جانب الأدب، فهو ليس كتابَ شباب وصغار فقط؛ ولكنه كتاب كبار كذلك، يقرؤه الجميعُ، فيكسب كثيرًا من الدروس والعبر، ويستفيد أدبًا ولغة ومعلومات وتجارب، ويقارن بين الماضي الطبيعيّ والحاضر المتصنّع، الماضي الصادق، المتحد الظاهر والباطن، والحاضر ذي الوجهين وذي الواجهتين، الذي ظاهره خلاّب لَمَّاع وباطنه أسودُ قاتمٌ، بالقياس إلى المعنويّات التي فقدناها، والشهامة التي حُرِمْنَاها، والمروءة التي سُلِبْنَاها، وروح الكفاف والقناعة والصبر والمثابرة و«العمريّة» و «التَّعَمْدُد» - التخلق بأخلاق معدّ بن عدنان والتشبّه بعيشه، وكان ذا غلظ وتقشّف و«الزهد العلويّ» التي أضعناها. وبالإيجاز: بالقياس إلى اللباب الذي ضاع عنّا والقشور التي حَظينَابها» (جريدة «الداعي»، ص 6-7، العدد 7-8، السنة 13، الصادر في 9-24/4/1410هـ الموافق 10-25/11/1989م).

     ومنذئذ ظلّ رحمه الله يتواصل معنا، ويرسل إلينا نسخة من كل مُؤَلَّف له إثر صدوره، ممّا يدلّ على حفظه للولاء لكل من يحبّه عن صدق وإخلاص. ولم نجد أيَّ مُثَقَّف عربيّ غيره يصنع معنا هذا الصنيعَ الجميل، فقد أرسل إلينا كتابه «إطلالة على التراث» بأجزائه السبعة عشر حيث كان يُزَوِّدنا بنسخه إثر صدور كل جزء منها، كما زوّدنا بنسخة من كتابه «يوم وملك»وكتابه «ملء السلة من ثمر المجلة» وكتابه «رصد لسياحة الفكر» وكتابه «النساء رياحين» كما زَوَّدَنا بكامل أجزاء كتابه «وسم على أديم الزمن لمحات من الذكريات» وهو عبارة عن سيرته الذاتية وقد صدر منه لحين وفاته في 1435هـ 36 جزءًا.

     كما ظلّ يتواصل معنا عبر مقالاته وأبحاثه القيّمة التي ظلّت «الداعي»تتشرف بنشرها في جميع أعدادها تقريبًا لحين وفاته. وقد كان رحمه الله يحب «الداعي» كثيرًا، وقد أبدى إعجابَه البالغَ بها لدى زيارة كاتب السطور له رحمه الله في مكتبه بالرياض عندما كان وزيرًا للمعارف، وكانت الوزارات مُعْظَمُها تقع عندها على شارع المطار القديم. وقد اسْتَقْبَلَنَا استقبالاً حارًّا عندما زرناه في إحدى قُدُمَاتِنا إلى الرياض بصحبة الأخ الفاضل الشيخ عبد الباري شمس الحق القاسمي، الذي كنا نازلين ضيفًا عنده في الرياض، وزَوَّدَنا عندها بنسخة من المصحف الشريف المُذَهَّب الثمين الورق لانزال نحتفظ بها هديةً تذكاريّةً غاليةً جدًّا، وإن كنا لانتلو القرآن الكريم من خلالها لكونها ذات زنة باهظة لايمكن حملها بسهولة من مكان إلى آخر داخل الغرفة أيضًا.

     ومن حبّه للداعي كتب عنها ذات مرة مقالاً مستقلاًّ نشره في مجلة «المجلة العربية» في عددها الـ 54 الصادر في جمادى الثانية 1422هـ الموافق سبتمبر 2001م بعنوان «الداعي مجلةٌ تستحق أن تُقْرَأَ» أشاد فيه بخصائصها وأَبْرَزَ فيه المحاسنَ التي تجعلها تستحق أن تُقْرَأ وتُقْتنى من خضمّ المجلات العربية التي لا تُعَدّ.

     ومن شدة إخلاصه الذي كان يصدر عنه في أعماله كلها لم يُحِطْ كاتبَ السطور علمًا بأنّه كَتَبَ مقالاً عن مجلته، ونشره في مجلة كذا، وإنما اطَّلع كاتب السطور على العدد الذي صَدَرَ فيه المقال من «المجلة العربية» عن مفاجأة حسنة؛ حيث أخبره أحدُ طلاب الجامعة الإسلامية دارالعلوم/ديوبند بالهند، التي عنها تصدر «الداعي» أن في الساحة أمام البوّابة الرئيسة للجامعة يبيع واحدٌ من أهالي مدينة «ديوبند» عددًا من مجلة «المجلة العربية» ولديه أربعُ نُسَخ من العدد الواحد، وقد اشتريتُ نسخةً منه أنا وها هو ذلك، و وَضَعَه بين يدي كاتب السطور، فتصفحه، فوَجَدَ فيه مقالاً بقلم الدكتور الفقيد بالعنوان المذكور، ففَرِحَ وطابت به نفسُه جدًّا، وطَلَبَ إلى الطالب أن يجيء إليه بالنسخ الثلاث المتبقية لدى البائع، فذَهَبَ إليه مُسْرِعًا، وأتى بها، فحمد الله وأثنى عليه بالغ الثناء أنه بفضله وحده أَطْلَعَه على هذه الثروة الغالية التي لم يكن ليَطَّلِعَ عليها لولا عنايتُه تعالى.

     ولتعميم الفائدة نشر كاتب السطور المقالَ في مجلته «الداعي» في العدد 1، السنة 26، الصادر في محرم 1423هـ الموافق مارس أبريل 2002م.

      وقد قال فيه معالي الدكتور رحمه الله فيما قال:

     «وقد اخْتَطَّتْ هذه المجلة لنفسها نهجًا حسنًا، يجذب القارئ إليها في الجوهر والصورة، فأَحْسَنَتْ اختيارَ المقال، ونَوَّعَتْه، وتَلَمَّسَتْ خدمته لأغراض إسلامية متعددة، تمسّ العمل والروح، والدنيا والآخرة، تنشئ وتقتبس وتختار، كل هذا بدقة، وحسن التماس، أمّا ما يخصّ الصورةَ فجذّاب، فالحجمُ مثالي، والورقُ ممتاز، والإخراجُ بديع، والحرفُ كبير جميل، نسقُه يشدّ القارئَ ويجذبه، والعرضُ حسن، والمظهرُ مبهج، يريح العين والنفس. والاعتناءُ بهذه النواحي يدلّ على حرص القائمين عليها على السعي المتناهي لنفع القارئ وراحته، ممّا يُؤَكِّد أهميتَه لهم، وتقديرهم له، وحرصهم على بقائه قارئًا مُدِيمًا. وليس هناك أشدُّ على القارئ من أن يشعر أنَّه على الهامش، وأن أصحاب المطبوعة لايهمّهم أمره ولا رضاه. وهو للأسف متواتر في بعض المطبوعات، مما يُشْعِر أن هناك فجوةً بين المسؤولين عن التحرير والقارئ، حتى أن كاتب المقال أحيانًا يأنف من قراءة مقاله في الصحيفة، لصغر حرفه، ومزاحمة الإعلانات له، أو إحاطة بعض مقالات العبث بمقاله».

     وبالمناسبة ينبغي أن أُسَجِّل أن الفقيد رحمه الله كان يحب كبر الحروف في المقالات وفي المُؤَلَّفَات؛ ومن ثم نجد جميعَ مُؤَلَّفَاته كبيرة الحروف التي تريح عيون القراء، حتى المسنين الذي كثيرًا ما تضعف أبصارهم، كما كان رحمه الله يهتمّ بجودة الورق لمُؤَلَّفَاته، فجميعُ كتبه مطبوعةٌ على الورق الجيّد الممتاز.

     وكان رحمه الله مهتمًّا جدًّا بالتراث العربيّ الذي ظلّ يعكف على قراءته وتقديمه إلى الجيل المعاصر الذي عاد يحبّ السهولة في كل شيء مساغًا مُسَهَّلاً. وكان تحبيبُ التراث إليه أسمى الأغراض التي من أجلها أَلَّفَ مُعْظَمَ كتبه، فـ«يا بنيّ» و«إطلالة على التراث» يُصَنَّفان بصفة خاصّة ضمن نبش التراث العربي وترغيبه إلى الجيل الجديد.

     ولكثرة مُعَايَشَته لكتب التراث العربي وصدوره عنها في كتاباته صار يكتب العربية القرشيّة الجارية في قناة الكتاب والسنة، والمصوغة في قالب النثر العربي المُرْسَل الفصيح البليغ الذي يتّسم بالجزالة والإيجاز ويتجرّد من الحشو والزوائد، ويُنَمِّي ذوق العربية الصحيح لدى القارئ. وقد قال كاتب هذه السطور لدى تعريفه بكتاب الفقيد «ملء السلة من ثمر المجلة» (الجزء الثاني) الصادر في رجب 1423هـ الموافق أكتوبر 2002م:

     «والكتاب مجموع مقالات خفيفة كتبها المؤلف الأديب الكاتب مستندًا إلى كتب التراث العربي، ونشرها في الفترة ما بين محرم 1419هـ وصفر 1422هـ، كما نشر بعضها في مجلة «الفيصل».

     «ويجمع بينها روحٌ واحدة، وهي روح تحبيب التراث العربي وما فيه من الكنوز الثمينة واللآلي المتلألئة، من الحكم والأمثال، واللغة الرصينة المتينة، والحديث الشيّق عن محاسن العادات والأخلاق، ومكارم السماحة والمروءة والشجاعة والندى، وفضائل الكرم بأنواعه التي لا تُحْصَىٰ، وما إلى ذلك من معالم الشرف والتميّز الإنساني التي كانت من سمات العرب منذ قديم الزمان، ولا سيّما بعدما علا بهم الإسلامُ إلى العلياء.. تجيب ذلك كله إلى النشء الإسلامي الجديد.

     «وعَرَضَ ذلك كله بأسلوبه الأدبي الرائع المحكم الذي أفاضته عليه قراءتُه المكثفة الطويلة المستمرة لكتب التراث ذات الأصالة اللغوية والفكرية».

     الحقُّ أن معالي الدكتور الخويطر كان شخصية غير عاديّة بكثير من الاعتبارات، شخصية مُحِبَّة للعلم والعلماء، أَثْرَتِ الحركةَ التعليميةَ في المملكة، وبلغت أعلى المراكز في الدولة، وصارت رمزًا من رموز الوطن السعودي. وإلى ذلك كان هادئًا متواضعًا لأبعد الحدود، فكان لايثور ولايغضب حتى في أحرج المواقف. والهدوءُ البالغُ كان قيمةً كبيرةً في حياته صَدَرَ عنها في معالجة كثير من الأزمات والقضايا العالقة والمُعَقَّدَة فيما يخصّ الوطنَ وإدارةَ المناصب التي شغلها. وكان حريصًا للغاية على سمعة الوطن. وكان أمينًا يحافظ على أموال الدولة أكثر من ماله الشخصي، من ثم ائْتَمنَه عليها القيادةُ السعوديةُ وأسندت إليه باستمرار وزارات هامّة حتى وزارة المالية في بعض الفترات، وكان أزهد الناس في الانتفاع بمنصبه، فظلّ بسيطًا في مأكله وملبسه ومنزله ولم يحصل على امتياز عن طريق المناصب التي جَرَّرَتْ إليه أذيالَها منقادة له. ولم يشكه أحد ممن عمل تحته أو معه جفافًا في الطبع، أو شدة في التعامل، أو خرقًا في السلوك، أو عدم نضج في الإدارة، بل الجميعُ ظَلَّ يُثْنِي على لين الجانب والمروءة اللذين كانا مركوزين في طبعه. فظل طوال حياته يتمتّع بالنزاهة والأمانة، والفضل وطهارة اليد، وصفاء الصدر، ونقاء القلم واللسان.

     وقد اهتمّ الأديبُ المُؤَرِّخ الخويطر رحمه الله بالتأريخ ونبش التراث الأدبي العربي في وقت واحد من خلال إطلالاته الشهيرة التي امتطى فيها متنَ المعرفة والخيال الأدبي مُصْطَحِبًا الجيلَ المعاصرَ في زيارات مُبَاشِرة مُمْتِعَة لمضارب الأمس، وحَبَّبَ إليه من خلالها الاستقاء من التراث الأدبي بأسلوب جميل وطرح سهل مبسط.

     والحقّ أن جميع مُؤَلَّفَاته مهما اختلفت موضوعاتها تشفّ عن مُكَوِّنَات شخصيته المتميزة، فإذا قرأت مُؤَلَّفًا منها وجدتَه تتجلّى فيه الشخصية الخويطريّة بمعانيها البارزة وقدوتها الفريدة.

     كان الدكتور الخويطر بخدماته الثقافية والفكرية والأدبية والتاريخية وإنجازاته الإدارية إحدى الصور المُشْرِقَة المُشَرِّفَة في المملكة العربية السعودية والخليج العربي؛ ولذلك احتلّ مكانةً مرموقةً بين المثقفين والأدباء في المملكة وخارجها. وكان تكريمه في المهرجان الوطني للتراث والثقافة في دورته الرابعة والعشرين، تعبيرًا عن الاحترام الكبير والامتنان البالغ اللذين تكنهما المملكة نحوه، من أجل تفانيه في خدمة البلاد والثقافة والأدب والتأريخ والتراث.

     ونحن إذ نكتب هذه السطور الخاطفة التي ليست وفاءً بحقه وحبّه الذي كان يحمله في قلبه نحو كاتبها نتضرع إلى المولى القدير أن يتغمّده بواسع رحمته ورضوانه، ويسكنه بحبوحة جنانه، وأن يلهم أهله وأبناءه وذويه ومعارفه ومُحِبِّيه الصبر والسلوان.

أهم  مُؤَلَّفاته مع ذكر سنوات طبعتها الأولى

* الشيخ أحمد المنقور في التاريخ 1390هـ * عثمان بن بشر 1390هـ * في طرق البحث 1395هـ * الملك الظاهر بيبرس باللغتين العربية والإنجليزية 1396هـ * تحقيق كتاب «الروض الزاهر في سيرة الملك الظاهر» 1396هـ * تحقيق كتاب «حسن المناقب السرية المنتزعة من السيرة الظاهرية» لشافع بن علي 1396هـ * من حطب الليل (ط:2) 1398هـ * قراءة في ديوان محمد بن عبد الله بن عثيمين 1412هـ * أي بنيّ (خمسة أجزاء) 1409-1414هـ * إطلالة على التراث (سبعة عشر جزءًا) الجزء الأول منه صدر 1414هـ * يوم وملك 1418هـ * ملء السلة من ثمر المجلة (أربعة أجزاء) 1419-1433هـ * حديث الركبتين 1424هـ * لمحة من تاريخ التعليم في المملكة العربية السعودية 1424هـ * دمعة حرّى 1425هـ * وسم على أديم الزمن – لمحات من الذكريات (36جزءًا) 1426-1435هـ * رصد لسياحة الفكر (4أجزاءًا) 1428هـ * بعد القول قول 1428هـ * السلام عليكم 1428هـ * نزّ اليراع 1429هـ * النساء رياحين 1429هـ * هنيئًا لك السعادة 1431هـ * للقراءة في الإجازة 1434هـ .

*  *  *

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم  ديوبند ، ذوالحجة 1435 هـ = أكتوبر 2014م ، العدد : 12 ، السنة : 38